فصل: تفسير الآيات (262- 264):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (259):

{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} اختلفوا في الذي مر على قرية على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه عزيز، قاله قتادة.
والثاني: أنه إرْمياء، وهو قول وهب.
والثالث: أنه الخَضِر، وهو قول ابن إسحاق، واختلفوا في القرية على قولين:
أحدهما: هي بيت المقدس لما خرّبه بُخْتنصَّر، وهذا قول وهب وقتادة. والربيع بن أنس.
والثاني: أنها التي خرج منها الألوف حذر الموت، قاله ابن زيد.
{وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} في الخاوية قولان:
أحدهما: الخراب، وهو قول ابن عباس، والربيع، والضحاك.
والثاني: الخالية.
وأصل الخواء الخلو، يقال خوت الدار إذا خلت من أهلها، والخواء الجوع لخلو البطن من الغذاء {عَلَى عُرُوشِهَا}: على أبنيتها، والعرش: البناء.
{قَالَ أَنَّى يَحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} فيه وجهان:
أحدهما: يعمرها بعد خرابها.
والثاني: يعيد أهلها بعد هلاكهم.
{فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ} أي مكث.
{قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} لأن الله تعالى أماته في أول النهار، وأحياه بعد مائة عام آخر النهار، فقال: يوماً، ثم التفت فرأى بقية الشمس فقال: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}.
{قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} فيه تأويلان:
أحدهما: معناه لم يتغير، من الماء الآسن وهو غير المتغير، قال ابن زيد: والفرق بين الآسن والآجن أن الآجن المتغير الذي يمكن شربه والآسن المتغير الذي لا يمكن شربه.
والثاني: معناه لم تأتِ عليه السنون فيصير متغيراً، قاله أبو عبيد.
قيل: إن طعامه كان عصيراً وتيناً وعنباً، فوجد العصير حلواً، ووجد التين والعنب طرياً جنيّاً.
فإن قيل: فكيف علم أنه مات مائة عام ولم يتغير فيها طعامه؟ قيل: إنه رجع إلى حاله فعلم بالآثار والأخبار، وأنه شاهد أولاد أولاده شيوخاً، وكان قد خلف آباءهم مُرْداً أنه مات مائة عام.
وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أن عزيراً خرج من أهله وخلف امرأته حاملاً وله خمسون سنة، فأماته الله مائة عام، ثم بعثه فرجع إلى أهله، وهو ابن خمسين سنة، وله ولد هو ابن مائة سنة، فكان ابنه أكبر منه بخمسين سنة، وهو الذي جعله الله آية للناس.
وفي قوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} قراءتان:
إحداهما: ننشرُها بالراء المهملة، قرأ بذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو، ومعناه نحييها. والنشور: الحياة بعد الموت، مأخوذ من نشر الثوب، لأن الميت كالمطوي، لأنه مقبوض عن التصرف بالموت، فإذا حَيِيَ وانبسط بالتصرف قيل: نُشِرَ وأُنشِر.
والقراءة الثانية: قرأ بها الباقون ننشِزُها بالزاي المعجمة، يعني نرفع بعضها إلى بعض، وأصل النشوز الارتفاع، ومنه النشز اسم للموضع المرتفع من الأرض، ومنه نشوز المرأة لارتفاعها عن طاعة الزوج.
وقيل إِنَّ الله أحيا عينيه وأعاد بصره قبل إحياء جسده، فكان يرى اجتماع عظامه واكتساءها لحماً، ورأى كيف أحيا الله حماره وجمع عظامه.
واختلفوا في القائل له: كم لبثت على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه ملك.
والثاني: نبي.
والثالث: أنه بعض المؤمنين المعمرين ممن شاهده عند موته وإحيائه.

.تفسير الآية رقم (260):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْي الْمَوْتَى} اختلفوا لِمَ سأله عن ذلك؟ على قولين:
أحدهما: أنه رأى جيفة تمزقها السباع فقال ذلك، وهذا قول الحسن، وقتادة، والضحاك.
والثاني: لمنازعة النمرود له في الإحياء، قاله ابن إسحاق. ولأي الأمرين كان، فإنه أحب أن يعلم ذلك علم عيان بعد علم الاستدلال.
ولذلك قال الله تعالى له: {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني ليزداد يقيناً إلى يقينه، هكذا قال الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير، والربيع، ولا يجوز ليطمئن قلبي بالعلم بعد الشك، لأن الشك في ذلك كفر لا يجوز على نبي.
والثاني: أراد ليطمئن قلبي أنك أجبت مسألتي، واتخذتني خليلاً كما وعدتني، وهذا قول ابن السائب.
والثالث: أنه لم يرد رؤية القلب، وإنما أراد رؤية العين، قاله الأخفش.
ونفر بعض من قال بغوامض المعاني من هذا الالتزام وقال: إنما أراد إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي القلوب بالإيمان، وهذا التأويل فاسد بما يعقبه من البيان.
وليست الألف في قوله: {أَوَ لَمْ تُؤْمِن} ألف استفهام وإنما هي ألف إيجاب كقول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

{قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ} فيها قولان:
أحدهما: هن: الديك، والطاووس، والغراب، والحمام، قاله مجاهد.
والثاني: أربعة من الشقانين، قاله ابن عباس.
{فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} قرأت الجماعة بضم الصاد، وقرأ حمزة وحده بكسرها، واختلف في الضم والكسر على قولين:
أحدهما: أن معناه متفق ولفظهما مختلف، فعلى هذا في تأويل ذلك أربعة أقاويل:
أحدها: معناه انْتُفْهُنَّ بريشهن ولحومهن، قاله مجاهد.
والثاني: قَطِّعْهُن، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن. قال الضحاك: هي بالنبطية صرتا، وهي التشقق.
والثالث: اضْمُمْهُن إليك، قاله عطاء، وابن زيد.
والرابع: أَمِلْهُن إليك، والصور: الميل، ومنه قول الشاعر في وصف إبل:
تظَلُّ مُعقّلات السوق خرساً ** تصور أنوفها ريح الجنوب

والقول الثاني: أن معنى الضم والكسر مختلف، وفي اختلافهما قولان:
أحدهما: قاله أبو عبيدة أن معناه بالضم: اجْمَعْهن، وبالكسر: قَطِّعْهُنّ.
والثاني: قاله الكسائي ومعناه بالضم أَمِلْهُنّ، وبالكسر: أقْبِلْ بهن.
{ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنها كانت أربعة جبال، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.
والثاني: أنها كانت سبعة، قاله ابن جريج، والسدي.
والثالث: كل جبل، قاله مجاهد.
والرابع: أنه أراد جهات الدنيا الأربع، وهي المشرق والمغرب والشمال والجنوب، فمثّلها بالجبال، قاله ابن بحر.
واختلفوا هل قطّع إبراهيم الطير أعضاء صرن به أمواتاً، أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنه قطَّعَهُن أعضاء صرن به أمواتاً، ثم دعاهن فعدْن أحياء ليرى كيف يحيي الله الموتى كما سأل ربه، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أنه فَرَّقَهُن أحياء، ثم دعاهن فأجبنه وعدن إليه، يستدل بعودهن إليه بالدعاء، على عَوْد الأموات بدعاء الله أحياءً، ولا يصح من إبراهيم أن يدعو أمواتاً له، قاله ابن بحر.
والجزء من كل شيء هو بعضه سواءً كان منقسماً على صحة أو غير منقسم، والسهم هو المنقسم عليه جميعه على صحة.
فإنْ قيل: فكيف أجيب إبراهيم إلى آيات الآخرة دون موسى في قوله: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] فعنه جوابان:
أحدهما: أن ما سأله موسى لا يصح مع بقاء التكليف، وما سأله إبراهيم خاص يصح.
والثاني: أن الأحوال تختلف، فيكون الأصلح في بعض الأوقات الإجابة، وفي بعض وقت آخر المنع فيما لم يتقدم فيه إذن.
قال ابن عباس: أمر الله إبراهيم بهذا قبل أن يولد له، وقبل أن يُنَزِّلَ عليه الصُّحُف.
وحُكِيَ: أن إبراهيم ذبح الأربعة من الطير، ودق أجسامهن في الهاون لا روحهن، وجعل المختلط من لحومهن عشرة أجزاء على عشرة جبال، ثم جعل مناقيرها بين أصابعه، ثم دعاهن فأتين سعياً، تطاير اللحم إلى اللحم، والجلد إلى الجلد، والريش إلى الريش، فذهب بعض من يتفقه من المفسرين إلى من وصّى بجزء من ماله لرجل أنها وصية بالعُشْر، لأن إبراهيم وضع أجزاء الطير على عشرة جبال.

.تفسير الآية رقم (261):

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}
قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمْ في سَبِيلِ اللهِ} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني في الجهاد، قاله ابن زيد.
والثاني: في أبواب البر كلها.
{كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلَةٍ مِاْئَةُ حَبَّةٍ} ضرب الله ذلك مثلاً في أن النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف، وفي مضاعفة ذلك في غير ذلك من الطاعات قولان:
أحدهما: أن الحسنة في غير ذلك بعشرة أمثالها، قاله ابن زيد.
والثاني: يجوز مضاعفتها بسبعمائة ضعف، قاله الضحاك.
{وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ} يحتمل أمرين:
أحدهما: يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء.
والثاني: يضاعف الزيادة على ذلك لمن يشاء.
{وَاللهُ وَسِعٌ عَلِيمٌ} فيه قولان:
أحدهما: واسع لا يَضِيق عن الزيادة، عليم بمن يستحقها، قاله ابن زيد.
والثاني: واسع الرحمة لا يَضِيق عن المضاعفة، عليم بما كان من النفقة.
ويحتمل تأويلاً ثالثاً: واسع القدرة، عليم بالمصلحة.

.تفسير الآيات (262- 264):

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنِفقُونَ أَمْوَلَهُمْ في سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّاً وَلآَ أَذىً} المَنّ في ذلك أن يقول: أحسنت إليك ونعّشتك، والأذى أن يقول: أنت أباداً فقير، ومن أبلاني بك، مما يؤذي قلب المُعْطَى.
{لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} يعني ما استحقوه فيما وعدهم به على نفقتهم.
{وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فيه تأويلان:
أحدهما: لا خوف عليهم في فوات الأجر.
والثاني: لا خوف عليهم في أهوال الآخرة.
{وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يحزنون على ما أنفقوه.
والثاني: لا يحزنون على ما خلفوه. وقيل إن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه فيما أنفقه على جيش العسرة في غزاة تبوك.
قوله تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} يعني قولاً حسناً بدلاً من المن والأذى ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن يدني إن أعطى.
والثاني: يدعو إن منع.
{وَمَغْفِرَةٌ} فيها أربعة تأويلات:
أحدها: يعني العفو عن أذى السائل.
والثاني: يعني بالمغفرة السلامة من المعصية.
والثالث: أنه ترك الصدقة والمنع منها، قاله ابن بحر.
والرابع: هو يستر عليه فقره ولا يفضحه به.
{خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً} يحتمل الأذى هنا وجهين:
أحدهما: أنه المنّ.
والثاني: أنه التعيير بالفقر.
ويحتمل قوله: {خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً} وجهين:
أحدهما: خير منها على العطاء.
والثاني: خير منها عند الله.
رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المنّانُ بِمَا يُعْطِي لاَ يُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ القَيَامَةِ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيهِ وَلاَ يُزَكِّيهِ وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ».
قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى} يريد إبطال الفضل دون الثواب.
ويحتمل وجهاً ثانياً: إبطال موقعها في نفس المُعْطَى.
{كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الأَخِرِ} القاصد بنفقته الرياء غير مُثَابٍ، لأنه لم يقصد وجه الله، فيستحق ثوابه، وخالف صاحب المَنِّ والأذى القاصِدَ وجه الله المستحق ثوابه، وإن كرر عطاءَه وأبطل فضله.
ثم قال تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} الصفوان: جمع صفوانة، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه الحجر الأملس سُمِّيَ بذلك لصفائه.
والثاني: أنه أَلْيَنُ مِنَ الحجارة، حكاه أبان بن تغلب.
{فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} وهو المطر العظيم القَطْرِ، العظيم الوَقْع.
{فَتَرَكَهُ صَلْداً} الصلد من الحجارة ما صَلُبَ، ومن الأرض مَا لَمْ ينبت، تشبيهاً بالحجر الذي لا ينبت.
{لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ} يعني مما أنفقوا، فعبَّر عن النفقة بالكسب، لأنهم قصدوا بها الكسب، فضرب هذا مثلاً للمُرَائِي في إبطال ثوابه، ولصاحب المَنِّ والأَذَى في إبطال فضله.